رابط رابط رابط رابط رابط رابط

تقاطع المصير والإيمان

بواسطة عبدالإله مذكور | 6:56 ص في |

ستظل علاقة القدر بالإنسان علاقةٌ إيمانيةٌ بالدرجة الأولى ومنطقة لا يظفر منها العقل البشري سوى بالتسليم. لقد أُنهك الفلاسفة من الخوض في ثنايا القدر ولم يجد عقلاؤهم بداً من التسليم بوجود قوة علوية خلقت خلايا القدر بإعجاز كما هو حال البشر. ديكارت رينيه الفيلسوف الفرنسي وعرّاب نظرية الشك ومجنون الفلسفة وقف حائراً أمام أبواب القدر المشرعة. وكذلك تصارعت الفرق الإسلامية منذ القرن الأول الهجري على الخوض في خصوصية القدر فانزلق منهم من انزلق إما بحتمية القدر أو تفريغ القدر من محتواه وأدواته.

ورغم غيبيّة القدر وكهنوت خلقه وإعياء التفاسير البشرية لاستيعاب أسراره إلا أنه أحيانا نجد أنفسنا أمام أسئلة حياتية مصيرية لها جذور قدريّة وإيمانية في ذات الوقت وربما وجدنا أنفسَنا أداةً لقدرٍ بائسٍ "كما نراه".....فنقف مشدوهين على مفترق طرق ... فنحتارُ أن نختار .

ويبدو أن القدر له من الأشكال اللانهايات وله من خصوصية الزمن حكايات.

ساره لم تكمل عامها الثامن وإلا واعتادت المبيت بجانب مكينة غسيل الكلى. ولدت بمرض وراثي لأحد موظفي المستشفى العسكري بالرياض. مداهمةُ التهابٍ فطريٍ شديدٍ كان سبباً مباشراً في فشل كليتيها المتعبة أصلاً. كانت أولَ وأصغرَ طفلةٍ تعْقِدُ صداقةً مع غسيل الكلى. لذا نالت تعاطفَ الفريقِ الطبّي وخلقت علاقةً حميمةً مع العاملين. صاحبةُ جمالٍ منهك وابتسامةٍ تتدحرجُ عفوياً من فوق هامات الألم. اعتادت تلك الزهرة حضن الزهور من حديقة منزلها وإحضارها في كل زيارة للمستشفى. اجادت الإنجليزية والفلبينية إضافةً إلى العربية حيث كان المستشفى منزلها الأول. وفي مرحلة ما بدأت بتعلم توصيل آلة غسيل الكلى والتعامل معها.

ورغم معاناتها الجسيمة إلا أنها كانت محببةً ومقربها لقلبِ والديها لكونها لم تكن عبئا عليهما. كانت نادراً ما تصاحبها دمعةٌ وذاتيةُ الاعتماد في شؤونها اليومية. كانت على قائمة الانتظار لزراعة كلى ولكن لسوء الحظ (كما نعتقد) لم يتم توافق أنسجة المتبرعين. في عام 1998 أُحضرت ساره لوحدةِ غسيل الكلى بحالةٍ طارئةٍ تتمثل بعدم وجودِ أوعيةٍ يتم من خلالها الغسيل. جراح الأوعيةِ الدمويةِ تمَّ الاتصال به ولم يستطع المساعدة وانتهت أيضاً محاولةُ إرسالها إلى مراكز طبيّة عليا متطورة بالفشل. وبعد ثلاثة أيامٍ من المحاولات والمعاناة كانت اللا جدوى حليفاً في استجداء أو إقناع أيِّ شخصٍ في منحها فرصة للحياة "كما نظن". في خضم المحاولات احتدم النقاش بين طبيبي ساره. حيث اقترح أحدهما في ظل عدم توفر علاج لها وتدهور صحتها أن يكتب على دفتي ملفها أحرف DNR والتي تعني "لا تنعشها" بحيث يُمنع إعطاؤها سوائلَ تزيدُ معاناتها مسببةً لها استسقاءً في الرئة وفي نفس الوقت تُمنح أطعمةٌ تحتوي على كميات عالية من البوتاسيوم فتكون عرضة لحدوث خفقان القلب فتموت. بينما احتج الطبيب الآخر وغادر غرفة النقاش متأبطا قلةَ الحيلةِ. بعد أسبوعٍ تقابل الطبيبان فسأل الأول الآخرَ هل تريد أن ترى ساره والذي اعتقد الثاني أنّها ماتت. ذهبا إلى قسم الأطفال حيث اندفع الطبيب المتعاطف معها يقبلها وهي لا تملك إلا الابتسام. ذهب الطبيب الإنسان إلى مكتبة متحمساً متصلاً بأحد الزملاء في مجال جراحة الأعضاء وبعد استجداءٍ ونقاشٍ مطول وافق أن يراها بلا أدنى وعود أخرى. ساقها والداها إلى مدينةٍ أخرى حيث الطبيب المختص والذي قابلها في نفس الليلة وبعد عمل الفحوصاتِ اللازمة جرت لها عملية توصيل بالوريد الأبهر السفلي وتمت عملية الغسيل بنجاح ليومين واليوم الثالث حولت إلى المستشفى الذي أتت منه لإكمال عملية الغسيل. بعد أسبوع وُجدت سارة وقد فارقت الحياة على سريرها وحيدة.

بعد كل هذا ستظل أسئلةٌ ماثلةٌ أمام الجميع لاهثة عن إجابة:

إلى أي مدىً يذهبُ المعالجُ لمساعدة المريض؟

هل يجب الوقوف عن محاربةِ الأسباب أو استجداء الأطباء الآخرين لمساعدةِ المرضى؟

هل يوجد منطقةٌ مــا للتسليم بقرارِ القدر النافذ؟

أين يتقاطعُ القدرُ مع اجتهادنا؟

عبدالإله مذكور


0 التعليقات:

الصحف السعودية


الصحف السعودية

جريدة الجزيرة

---------------

جريدة عكاظ

---------------

جريدة الرياض

---------------

جريدة الوطن

---------------

جريدة المدينة

---------------

جريدة اليوم

---------------

جريدة الإقتصادية


قصة و رواية

اذكار, فتاوي, احكام

صحيفة عكاظ - الأولى

جديد الصور

جديد الفيديو

عكاظ - رياضة

الآن يتصفح المدونة